التعليم في الصغر كالنقش على الحجر , كيف تعلم طفلك أسس الحياة
اي انه اكثر ثباتا ، بعكس التعليم في الكبر . فالاطفال مستعدون للتعلم اكثر من
الكبار . وذاكرتهم لا تزال بكرا ، تتسع لمعلومات اكثر . بعكس الكبار الذين تكون
ذاكراتهم محشوه بكثير من المشاكل و المشغوليات والخبار ، وقد لا يستقر فيها تعليم جديد
. ولذلك يقول نفس المثل
كيف نكون الحس الديني لدى الاطفال؟
ان السؤال المتمثل في “ماذا نعلم الطفل ومتى نعلمه وكيف نعلمه ومن يعلمه؟” يشغل بال
الاباء والامهات والمربين منذ القديم. وعندما يتعلق الامر بالمواضيع الدينيه يصبح هذا السؤال اكثر اهمية.
واليوم تقال اشياء مختلفه في هذا الموضوع، بل ان بعض الاشخاص الذين تعرف نواياهم يصرون
على عدم تلقين الاطفال اي تربيه دينيه حتى سن الحاديه عشرة، وهذا الامر يلقي بضغوطه
باستمرار على الاسر في بعض البلاد الاسلامية.
لم يلاحظ في زمن من الازمان ان الانسان عاش خلوا من الدين. ولقد وجد “الدين”
بلا شك في جميع فترات التاريخ بغض النظر عن اسمه وشكله. فالانسان الذي تسكن بين
جوانبه ميول ماديه وتتنازعه جوانب روحيه ويسعى جاهدا من اجل مواصله وجوده المادي، يبحث من
جانب اخر عن الاجوبه المقنعه بواسطه “معرفه دينية” سليمه بشكل خاص. فالتربيه الدينيه التي يتلقاها
الانسان في مرحله طفولته تترك اثارها العميقه في نفسه طوال حياته. ولذلك ينبغي ان تقدم
له هذه المعرفه منذ الطفولة.
وينبغي الا ننسى ان الغصن انما يلوى وهو لا يزال غضا طريا. يقول الامام الغزالي:
“ان قلب الطفل فارغ، صاف، له ميل فطري لتلقي كل شيء، والميل الى كل شيء”.
واما ابن مسكويه فيقول: “ان الطفل في هذه المرحله جاهز لتقبل كل التعاليم والتلقينات التي
توجه له”. وكما يقول ابن سينا: “عند ولاده الطفل تولد معه جمله من القدرات، بيد
انه يتعين تطوير هذه القدرات”، بمعنى ان هذه القابليات اذا وجهت نحو الخير والدين نشا
الطفل مؤمنا، اما اذا وجهت نحو الشر والالحاد فان الطفل ينشا غير مؤمن.
ويقول بديع الزمان: “ان الطفل اذا لم يتلق في طفولته دروسا ايمانيه حيه فان نفسه
بعد ذلك يصبح من العسير عليها تقبل الاسلام واركان الايمان، بل ان هذه الصعوبه تصل
الى درجه ان يصبح الواحد في علاقته بتقبل الاسلام شانه شان غير المسلم.”
وعند النظر في المراجع المتعلقه بنفسيه الطفل يلاحظ ان مرحله الطفوله تنقسم الى ثلاثه اقسام.
وهذه الاقسام الثلاثه هي بشكل عام على النحو التالي:
مرحله الرضاعة: بين سن 0 – 3 سنوات.
مرحله الطفوله الاولى: بين 3-6 سنوات.
مرحله الطفوله الاخيرة: بين 6-11 سنه للاناث وبين 6-13 سنه للذكور.
وتعتبر المرحلتان الاوليان الاكثر تاثيرا في مستقبل الطفل.
مرحله الرضاعة
في هذه المرحله التي تمتد من الولاده الى سن الثالثه لا يلاحظ لدى الطفل اي
تعبير عن اي احساس او تفكير ديني. فالطفل في وضعيه سلبيه تماما، وهو يحتاج في
كل الامور الى الوالدين، غير انه من جانب اخر ليس معزولا بشكل تام عن العالم
وعن محيطه. فالطفل وان كان لا يمارس اي نشاط بدني او اجتماعي بالمعنى الحقيقي، الا
انه حساس ازاء الاحداث التي تقع في بيئته. فقد اثبتت الابحاث ان الطفل قد خلق
مزودا بقابليات “روحية” ازاء التلقينات الدينيه التي ترد اليه من الخارج. وقد عبر عن ذلك
العلامه حمدي يازر بقوله: “ان كل فرد قد ركز في روحه احساس بالحق، وغرزت في
داخله قوه لمعرفه الله تعالى.”
ويقول عالم النفس الالماني هولنباخ: “يمتلك الطفل احساحا شديدا بالرغبه في المعرفه والبحث عن قدره
غير محدوده تساعده وتحميه. وهي لا تزال غير ظاهرة، ولم يتم التمكن من شرحها الى
حد الان. والشيء الذي يجعل من الطفل شخصا متدينا هو هذا الشوق والرغبه في الاكتشاف
ازاء اللامحدود، وهذه الرغبه كامنه في داخله. بيد انه من الضروري ان تشجع هذه الرغبه
ويغذى هذا الحماس ويوجها من قبل العائلة.”
مرحله الطفوله الاولى (مرحله التقليد)
بدايه من سن الثالثه يبدا الطفل بالاهتمام بمحيطه بشكل مكثف، ويحاول ان يلعب بكل ما
يقع في يده، ويحاول كذلك ان يتعرف عليه. وفي هذه المرحله تبدا مشاعر مثل الاحساس
بالامان والحب والاحساس بحب الاخرين في التكون بشكل كبير. ويريد الطفل ان يبين انه ليس
في حاجه الى الاخرين من اجل تلبيه هذه الاحتياجات. ونتيجه لذلك يعمل الطفل على امتلاك
كل ما يوجد في محيطه، ويسعى الى كسره او تمزيقه، وبهذه الصوره يعمل على اثبات
وجوده. والاطفال الذين هم في هذا العمر يتصرفون اساسا انطلاقا من عواطفهم. ويكون اهتمامهم اقوى
ازاء الاشياء التي تخاطب عواطفهم. وبالاضافه الى ذلك، فذكاء الطفل ليس بوسعه ادراك جميع المفاهيم
بعد، ولا يعرف كيف يتفاعل مع الاحداث التي تواجهه. ونتيجه لذلك فالتقليد هو السمه التي
تميز الاطفال بشكل خاص في هذا العمر.
والاطفال الذين هم في هذا العمر يشعرون بالحاجه الى اتخاذ نموذج لهم يتبعونه. والاشخاص الذين
يمكن للطفل اتخاذهم قدوه هم افراد العائلة. وقد كشفت الابحاث ان بيئه الطفل (الاسرة) هي
العامل الاكثر تاثيرا عليه، في طبيعه تصرفاته ومواقفه الدينية.
والاطفال في هذه السن يستقبلون بكل تلقائيه العبارات والسلوك الديني وجميع العناصر الدينيه التي يلاحظونها
في افراد العائله ويعملون على تقليدهم باعتبارهم يمثلون “النموذج المثالي” بالنسبه اليهم. وهذا الميل الفطري
للتقليد لدى الطفل مصدره نفسيه “تقليد المحبوب”، وهذا مهم جدا فيما يتعلق بتشكيل الحياه الدينيه
لدى الطفل. ومن هذا المنطلق على الاشخاص الذين يتخذهم الاطفال “نماذج” ان يكونوا حذرين ازاء
ما يصدر عنهم من كلمات ومن تصرفات. فالوالدان اللذان يوجهان النصح لاطفالهم بغايه تغذيه المشاعر
الدينيه فيهم، ينبغي ان لا يتعارض كلامهم مع حياتهم العملية، بل وينبغي ان يؤكد الكلام
بالعبادات مثل الصلاه والصيام والدعاء والحج والانفاق. فعندما لا يكون كلامهم الجميل متوافقا مع سلوكهم،
وعندما تكون اعمالهم غير منسجمه مع اقوالهم فان ما يصدر عنهم من كلام سوف لن
يتجاوز اذانهم، بل انه في بعض الاحيان يصبح لهذا الكلام تاثير عكسي.
حسنا، كيف ينبغي ان يكون سلوك هذا النموذج (الاسرة)؟
ان الابوين اللذين يريدان ان يكون لكلامهما وقع في نفوس اطفالهم، عليهما اولا ان يطبقا
ما يقولانه بصدق، ثم يطلبا بعد ذلك من اطفالهم الالتزام به.
القدوه الصالحة
ان استماع الطفل للادعيه التي يدعو بها الاشخاص (القدوة) الموجودون في محيطه ورؤيته للعبادات والمعاملات
الدينيه التي يقومون بها تمثل اهميه قصوى بالنسبه اليهم. فما يسمعونه منهم يترسخ في اللاشعور
لديهم، ثم يبدا الطفل بعد ذلك شيئا فشيئا في تقبله. فمثلا، يشاهد الطفل الذي هو
في سن الثالثه او الرابعه من العمر احد والديه وهو يؤدي الصلاه ثم يتابع سلوكه
ثم يحاكيه بعد ذلك. وكذلك عندما يلاحظ الطفل ان والديه يبدان بالاستعداد للصلاه مع سماع
الاذان، فبعد فتره من الزمن ما ان يرفع الاذان حتى يسارع الطفل الى القيام، ويقول
لهما “حي على الصلاة”، وهو بتلك الحركه يريد ان يثبت ذاته.
كما ان كلمات الادعيه وعبارات الشكر التي تقال في البيت بصوت مرتفع تصبح محل محاكاه
وتقليد من قبل الطفل بعد فتره من الوقت. كما ينبغي ان نقول للطفل بانه يتعين
عليه ان يدعو الله تعالى من اجل تحقيق حاجاته. وعلى هذا النحو يترسخ في ذهنه
ان الله تعالى هو ملجاه الوحيد. ومن ناحيه اخرى يجب ان نعلم الطفل الايمان بالله
وفوائد العبوديه لله تعالى ونشرح له مساعده الله لعباده المؤمنين.
وعند القيام بهذه العمليه علينا ان نستعين في ذلك بالحكايات والقصص التي تشد انتباه الطفل.
فالحكايات والمناقب التي لها صله بالايمان تسرع من تطوير الافكار لدى الطفل، حيث تدل على
ان وراء الاشياء الماديه قوه اخرى. ولهذا السبب يتعين ان نقص على الاطفال قصص الانبياء
الموجوده في القران، وكذلك حياه النبي صلى الله عليه واله وسلم.
كيف يجب ان تكون اللعب التي نقتنيها للطفل؟
في هذه المرحله لا يستطيع الطفل ان يستوعب المفاهيم المجردة، لذلك يهتم بالرموز اكثر. ولهذا
السبب ينبغي ان تكون اللعب التي تعطى للطفل قادره على التعبير عن الحياه الدينية. فمن
اللعب التي تعطى للاطفال والتي تحتوي على عناصر دينيه نجد “العاب التركيب” والكلمات المتقاطعه وسيديهات
الافلام الكرتونيه وغيرها.
والى جانب ذلك، هناك اسلوب اخر في التعليم يتمثل في الهدايا التي تقدم من قبل
الاشخاص الذين اتخذهم الطفل قدوه ونموذجا. وهذه الهدايا يمكن ان تكون سجاده او مسبحه وما
شابه ذلك من الاشياء. فالحس الديني لدى الاطفال لا يمكن ان يزرع في نفوسهم الا
بواسطه الحب ومن قبل من يحبون من الناس. فربط الاطفال بالله تعالى عن طريق الامل
والحب، امر مهم من حيث جعل ملكاتهم العقليه والذهنيه في صله بهذه الامور مستقبلا. فالتربيه
الايمانيه القائمه على حب الله تعالى تلتحم بالشعور بالامل والارتباط بالله تعالى، وهذان العنصران يعدان
من المشاعر الاساسيه لدى الطفل. وبذلك تتكون قواعد ايمانيه قويه وصلبة.