الاسرار العظيمه في القران الكريم
من اسرار القران الكريم انفراده في استعمالات بعض الالفاظ :
فمثلا :
لا يذكر الجوع في القران الكريم الا في موضع الشده والعقاب ، او في موضع
الفقر المدقع والعجز الظاهر ، والناس لا يذكرون السغب ويذكرون الجوع في حال القدره والسلامه
.
وكذلك المطر لا يذكره القران الكريم الا في موضع الانتقام ، وعامه الناس لا يفرقون
بين المطر والغيث .
في القران الكريم اذا ذكر الابصار لم يقل الاسماع ، وانما يقول السمع ، ولعل
السر في ذلك ان البصر يختلف حسب جهه التي يكون اليها الشخص ، بينما السمع
واحد لا يختلف باختلاف جهه الانسان .
وكذلك يذكر الظلمات جمعا ، والنور مفردا ، وهناك اجوبه متعدده على ذلك منها :
ان المراد بالظلمات : الضلالات وهي كثيره ومتعدده والنور : الهدى وهو واحد .
والقران استعمل الرياح في الخير، واستعمل الريح في العذاب ، وفي الجواب : على ذلك
اجوبه متعدده منها ان الريح تكون من جهه واحده فتكون مدمره لانه لا يوجد لها
مقاوم والرياح تكون من عده جهات فيكسر بعضها بعضا فتكون نسيم خفيف وتاتي بالخير .
وهذا هو الغالب وقد تاتي في القران بلفظ ( الريح ) ويكون المقصود خيرا ولكنها
لا تاتي الا مقيده كما في قوله تعالى ( وجرين بهم بريح طيبه ) .
وقد وردت في القران الكريم بعض الالفاظ التي قد يظنها بعض الجهله زائده ولا حاجه
لها ، ولكن النظره العميقه الواعيه تبين اهميتها وسرها ومن ذلك : قوله (فخر عليهم
السقف من فوقهم ) فقوله تعالى ( من فوقهم ) ليس فيه من الزياده من
شيء وليست لمجرد التاكيد كما يقول بعض المفسرين ، ولكنها لتحقيق امر عظيم وهو ما
تدركه عندما تعمل تفكيرك وعقلك ، فهناك عده احتمالات ، الاول : ان يسقط السقف
وهم ليسوا تحته ، والثاني : ان يسقط السقف وبعضهم تحته . والثالث : ان
يكونوا تحته ويسقط ولم يتمكن احد منهم الفرار وهو المراد ، فلما قال ( فخر
عليهم السقف من فوقهم ) علمنا قطعا انهم كانوا تحته والمعنى انهم هلكوا جميعا .
ومن ذلك ايضا : قوله تعالى (ان الذين ياكلون اموال اليتامى ظلما انما ياكلون في
بطونهم نارا ) قد يقول من لا درايه له في اسرار القران : اي حاجه
في ذكر البطون هنا ، وهل هناك اكل في غير البطون ؟ والجواب على ذلك
من عده وجوه ومنها : ان ذكر البطون يدل على الامتلاء والشبع ، ففي ذكره
تصوير لتلك الحاله البشعه . وايضا لو قال ياكلون نار فلربما يتوهم ان الاكل لم
يصل الى داخلهم ، فلما ذكرت البطون دل على ان النار سرت في جميع ابدانهم
ثم استقرت في بطونهم .
ومن ذلك قوله تعالى (فمن لم يجد فصيام ثلاثه ايام في الحج وسبعه اذا رجعتم
تلك عشره كامله ) فربما يقول بعض الجهله : ما فائده ذكر العشره بعد ذكر
الثلاثه والسبعه ؟ والجواب : حتى لا يتوهم احد ان الواو هنا بمعنى او فتكون
للتخيير بمعنى صيام ثلاثه ايام في الحج او سبعه عند الرجوع فرفع ذلك التوهم بقوله
( تلك عشره كامله ) . او حتى لا يظن ان الواو على اصلها ولكنها
جاءت للاباحه كقولك جالس فلانا وفلانا فانه يتحقق بامتثال الامر بمجالستهما معا ، او مجالسه
احدهما . وهناك فائده اخرى وهي: ان فائده اجمال العدد في كل حساب ان يعلم
من جهتين فيتاكد ضبطه والعلم به . كما في ذكر العشره هنا التاكيد على ضروره
صيام هذه الايام بالتمام والكمال والتحذير من التهاون فيها ، وحتى لا يقال ان صيامها
مندوب فقط .
ومن ذلك قوله تعالى (والمحصنات من النساء الا ما ملكت ايمانكم ) فقد يتوهم البعض
ان كلمه النساء في الايه الكريمه زائده وان صيغه جمع المؤنث السالم مغنيه عنها –
وهذه الايه الكريمه اشكل تفسيرها على احد المفسرين الكبار وهو الامام مجاهد حيث قال :
لو كنت اعلم من يفسرها لي لضربت له اكباد الابل – وقد اجاب بعض المفسرين
بسر هذا القيد وهو: ان لفظ المحصنات يدل على عده معان ومنها : العفيفات والمسلمات
.. وغير ذلك ، فلو لم يات هذا القيد لتوهم انه يحرم نكاح المحصنات اذا
كن مسلمات فقط فافاد هذا القيد العموم والاطلاق ، اي ان عقد الزوجيه محترم مطلقا
لا فرق بين المؤمنات والكافرات والحرائر والمملوكات ، فيحرم تزوج ايه امراه تكون في عصمه
رجل حتى يموت او يطلقها ..
والخلاصه من هذه العجاله السريعه ان ندرك عظمه هذا الكتاب العزيز المجيد ونعلم علم اليقين
انه لا يوجد فيه لفظه ينبو بها موضعها او يكون في وجودها زياده او نقصان
.
وان ندرك ان في كل حرف من حروف القران الكريم سر بل اسرار ، ندرك
بعضها وما يخفى علينا منه اجل واعظم ، فاذا فاتنا ان ندرك بعض هذه الاسرار
فليس ذلك لخلو القران منها وانما مرده الى ضعف علمنا وعظيم جهلنا .
نسال الله تعالى ان يكرمنا بفهم معاني كتابه المجيد وان يزيدنا من فضله الكريم ،
وان ينفعنا بما علمنا وان يعلمنا ما ينفعنا .