اعراس الجزائر تلمسان بالصور
تختلف عادات وتقاليد الزواج في الجزائر من منطقه الى اخرى فبمدينه ندرومه بتلمسان ثمه عادات
وتقاليد راسخه في اذهان وقلوب اهاليها وسكانها لا تزال صامدة، وبفضل عوده الامن عاد الامل
مجددا لعشاق ومحبي الاغاني وفرقه الطبل، وكذا لعاده “اصغار” بمعنى جماعه العريس.
فاثناء تواجدنا بشاطئ سيدنا يوشع في اطار جولتنا الصيفيه عبر المواقع السياحيه المحاذيه للبحر، دعانا
بعض الاصدقاء لحضور حفل زفاف بمدينه ندرومة، وكان ذلك بالنسبه لنا فرصه لملاقاه اقارب لنا
واصحاب قدماء، وايضا للاستماع الى اغاني جميله من الطرب الاندلوسي والحوزي، من تاديه مطربين ماهرين
من المدينه نفسها.
وقبل ان اصف لكم مختلف مراحل “العرس” في تلك العشية، يستوقفني شعور غريب كلما زرت
تلك المدينه الطيبه وكان الذرات والعناصر الاساسيه والهامه لجسمي وروحي تنتعش بشكل اكثر وتنتشي من
الاجواء العذبه لهذه المنطقه العريقة، فينفتح قلبي لكل النفحات والانفاس الخفيه التي تهب من عده
اماكن، او بالاحرى من عده مصادر، وتصب كليا في اتجاه المدينه الهادئة، وازقتها القديمه ومساجدها
العتيقه محتله الساحات العامه والبيوت المغلقه والمفتوحه في نفس الوقت متسلله داخل الاعماق البشرية، شعور
غريب حقا يمتلك الانسان الاتي من بعيد والذي يعيش تلك السويعات الجميله في تلك الليالي
الصيفيه القصيرة.
فليالي ندرومه في الصيف لا يوجد لها مثيل على الاطلاق في اي مكان اخر، وتبدو
المدينة، في بدايه المساء الى ساعه متاخره من الليل وكانها مغشاه بستار سحري معبق يلف
اركان المدينه بنفحاته اللطيفه والمعطره انفاس عجيبه ناشئه من مزيج عذب وثاقب لهواء نقي وخفيف
نازل من جبال “فلاوسن” الشامخه المحيطه بالمدينه ومن الغابات المجاوره من اشجار الصنوبر والبلوط والخروب
والدردار واللوز وساسنو وانواع اخرى من الاشجار المثمره والاعشاب الطبيه المتنوعه مثل فلايو ونوخا والشيح
والريحان والخزامى، بالاضافه الى اريج زكي والروائح الطيبه المتصاعده من حدائق الزهور التابعه للمنازل الفرديه
داخل المدينة، حيث يهوى السكان الندروميون زراعه الورود والزهور الجميله العبقه وكذا الاشجار والنباتات المعطرة،
كشجر الليمون والياسمين ومسك الليل والحبق والقرنفل بمختلف انواعه، يضاف الى ذلك المزيج العذب والخفي
جرعات قويه من حنين الماضي الشيق والخالد والمتجدد عبر التقاليد الاجتماعيه والثقافيه الاصيلة.
فالحفل الزفاف الذي دعينا اليه في تلك الليله بمدينه ندرومه كان يقام باحد المنازل الحديثه
التي شيدت مؤخرا على اراض خصبه كانت مستغله في السابق في الزراعه والاعمال الفلاحية، وعند
وصولنا الى مكان “الفرح” قبل المغرب صادفنا مجيء موكب العروسه المشكل من عده سيارات فاخره
مزينه بالازهار والورود والبالونات الملونه وبقطع الحاشيه البيضاء والخضراء والحمراء وصاحبت الموكب طلقات متتاليه من
صوت مزامير السيارات وزغاريد النساء في جو من الغبطه والفرح المتماشي مع هذه المناسبه السعيده
واخذت النساء والفتيات ينزلن من السيارات وهن مرتديات افضل ثيابهن ومزينات الشعر والوجه بارقى وسائل
التجميل الحديثه وكن يحاولن الاقتراب من العروس بشكل حثيث لمرافقتها الى داخل بيتها الجديد وسط
زغاريد حاده تقطع الانفاس وقد احدثن وسط الدرب المزدحم تيار شذا عذبا انطلق من موكب
العروسه وتطاير في كل اتجاه وهب نحونا في شكل زوبعه من العطر ولفحنا بلطافه عفويه
شيقه حاملا معه مزيجا من العطور الجميله التي غزت المكان في لحظات وكان المنظر يشبه
عرضا للازياء، نساء شابات وفتيات في ربيع العمر، جميلات وانيقات كلهن لا يمكن التفضيل بينهن
قد خرجن من السيارات وهن في اجمل لباس السهره فكان بعضهن يرتدي “القفطان” من القطيفه
المطروزه بالخيوط الذهبيه والبعض الاخر يرتدي لباس “الكاركو” او القسنطينيه واخريات مرتديات فساتين من “الدنتال”
المخرم اوالمنصوريه الخفيفه ذات الاجنحه المتطاره كاجنحه الفراشة، هنالك ايضا البلوزه والبدعيه ونساء اخريات بازياء
اوربيه عصريه وبعض الشابات حضرن الى العرس بالبرنوس النسوي الجميل واخريات بحايك المنسوج التقليدي المميز
للمنطقة، فكل هؤلاء النساء والشابات اللائي جئن مع موكب العروسه كن رائعات في ازيائهن الجميله
وزينتهن البراقه وهيئتهن المشرقه وكان من الصعب بالنسبه لنا نحن المدعوين الاتيين من بعيد، التمييز
بينهن والتاكد من العروسه الحقيقيه من بين كل هذه الفتيات الشابات المتزينات باجمل الثياب ويخطر
في البال ان هنالك اكثر من عروسه واحده اذ ان النساء المرافقات كان كلهن تقريبا
في نفس الدرجه من الرونق والحسن والبهاء، وكان لا بد من انتظار لحظات نزول صاحبه
الخطوات الخجوله والمتعثره من افخر سياره الموكب للقول بانها العروسه الحقيقيه وكانت تتميز بارتدائها لزي
الاميره المثقل بالذهب، عده كيلوغرامات من الذهب في شكل حلي مختلفه الانواع والاشكال.
فمدينه ندرومه استطاعت ان تحافظ على تقاليدها وعلى طرازها المعماري الاسلامي بالنسبه للاحياء السكانيه القديمه
واسلوب البناء للكثير من المنازل الفرديه الحديثه وتقدم للباحثين مثالا واضحا للمدينه الاسلاميه النموذجية، حيث
نجد الجامع الكبير بمئذنته الشامخه يتوسط الاحياء القديمه وبجواره الساحه العموميه الرئيسيه “التربيعة” اين يلتقي
بها المصلون والمواطنون على خسائر المقاهي او حول الطاولات تحت ظل الاشجار ايام الاعراس وفي
ايام الاعياد والمناسبات الدينيه وكذلك في اوقات المساء والعطل كيومي الجمعه والسبت.
واعراس اولاد نهار وسيدي الجيلالي…
بين التقليد وحداثه الموضة
وبالجهه الغربيه الجنوبيه للولايه خاصه دائره سيدي الجيلالي والعريشه تحتل الاعراس مكانه خاصه وهامه ضمن
التركيبه الثقافيه والتقليديه للمجتمع خاصه عرس اولاد نهار، اذ انه يمثل فاتحه عهد جديد بالنسبه
الى كل فرد من افراده ونقطه انعطاف هامه في الحياه الفرديه والاسرية، حيث يحاط العريس
بهذه القبيله المعروفه بهاله كبيره من العادات والتقاليد المتوارثه ابا عن جد.
واولى خطوات العرس النهاري هي الخطبه التي كانت في وقت سابق لا يستاذن فيها لا
العريس ولا العروسه ، فكان الشاب والشابه لا يعيران اهتماما مساله الاختيار بل ان الامر
كان بيد الوالدين، فهما من يختاران للشاب زوجه وللشابه الزوج المنتظر، وحتى مساله رؤيه احدهما
للاخر كانت غير مطروحه والكل كان مقتنعا بذلك الواقع، واكثر من ذلك هناك من لم
يسبق له ان راى خطيبته حتى يفاجابها ليله الزفاف، ومع ذلك كان كل شيء يسير
على احسن ما يرام ويمكن ان نقول ان هذا الواقع استمر الى غايه السبعينيات، وبعد
ذلك بدات الرؤيه تتغير مع حصول نوع من التطور الثقافي والعلمي لدى غالبيه الشباب من
الجنسين، فاذا ما قرر احد الشباب الاقتران بفتاه ما فما عليه الا ان يطلب من
اوليائه الاتجاه نحو عائلتها لوضع اللمسات الاولى للخطبة، وفي العاده تقوم الام رفقه جمع من
النسوه الاقارب بالاتصال الاولي بوالده الشابه فتفاتحها في الموضوع، وفي اغلب الاحيان ترجع الوالده (
والده الخطيبة) الامر الى والدها واليها، وتستمر المفاوضات بين الاسرتين في عده جولات قد تطول
وقد تقصر، فاذا ما تم قبول الوالد والوالده والفتاه هاته الاخيره التي قد تلتزم الصمت،
وقد تترك الامر الى والديها واسرتها بصفه عامه فانهما يعلنان ذلك لاولياء الخاطب وبشكل الي
منطلقه العرف السائد يقوم هؤلاء باتمام اجراءات الخطبه بما يسمى عند اهل المنطقه (الملاك) هذا
الاخير الذي يشمل شاه تسمى (شاه الملاك)، مجموعه من الالبسه للخطيبه بما في ذلك خاتم
الملاك، اضافه الى مجموعه من الحلويات المتعدده الانواع والاشكال وكذا المصاريف المختلفه وتسمى ب (العوايد)
وفي ليله الملاك يقوم اهل الخطيبين باجراءات العقد الشرعي بحضور ولي امر كل من الخطيبين
ويعلن امام الحاضرين (الزواج) وبذكر لهم الذي اتفقا عليه على سنه الله ورسوله، حيث يتوج
ذلك بمادبه عشاء تقوم على شرف الحضور وتختتم بتوزيع الحلويات والشاي عليهم، وفي الجانب الاخر
تسمع اهازيج النسوه (اغاني الصف) والزغاريد خاصه عند وصول خبر اتمام العقد بقراءه الفاتحه تقوم
احدى قريبات الخطيب بوضع الخاتم في اصبع خطيبته اعلانا واشاره الى انها اصبحت مخطوبه وعندها
تطلق الزغاريد ويستغنى في بعض الاحيان عن هذه الاجراءات ويتم تعويض ذلك بدفع مبلغ مالي
لاهل خطيبته، ولكن لا يمكن الاستغناء عن اجراءات العقد الشرعي او ما يسمى في المنطقه
ب “الفاتحة” وهذه الحاله الثانيه تسمى بالدفوع، فهذا هو الفصل الاول من مراحل الزواج في
هذه المناطق، ثم يليه فاصل زمني قد يطول او يقصر تعطى فيه الفرصه للزوجين لتحضير
لوازم بيت الزوجيه وكذا الزفاف (الدخول الشرعي) وخلال هذه المده تكون النفقه على عاتق الخطيب
بشكل رمزي، وهي تسمى ب “الفقدة” وعاده ما تكون بالمناسبات والاعياد الدينية.
اما العاده الثانيه التي تنحدر من المنطقه الجنوبيه الغربيه السهبيه بتلمسان، لا سيما على مستوى
عرش اولاد نهار بشقيه الشرقي والغربي بكل من بلديات سيدي الجيلالي والبويهي وكذا العريشه وبعض
القرى المحاذيه لمدينه سبدو، فقبل يوم او يومين من موعد الفرح او العرس يلتقي الضيوف
القاطنون بالدشره او القريه بموقع اقامه العرس، ومن ثمه تنطلق عمليه التاكد من التبليغ للاشخاص
المشكلين لنواه “اصغار”، في مقدمتهم منشط الجماعه ورئيسها المسمى المقدم والوزير، اي المكلف بشؤون العريس
والمكلف او المكلفين بتحضير الشاي وكذا الذبح والسلخ وشواء الرؤوس المختاره او تلك الموعود بتوفيرها
الى جانب اختيار المكان وتهيئته لاقامه “اصغار” طوال الفتره المخصصه للقاءاتهم، واخر للمبيت سواء كان
المكان عباره عن خيمه لائقه او بيت، وبالليله التي تسبق الزفاف ليله الحنه وهي عاده
معروفه لدى اغلبيه الجزائريين يتجمع جماعه العريس والذي يتعدى عددهم في بعض الاحياء 50 فردا
الى جانب بقيه المدعوين، ومن هنا تنطلق الفرجه والترفيه على النفس بدايه بالاعلان عن اهم
ضوابط وقواعد “اصغار” منها الانضباط والخضوع لجميع ما يصدر من الجماعه بتوجيه من المقدم، علما
بان صفه المقدم ليست في متناول كل من هب ودب، فهناك شروط لابد ان تتوفر
فيه كالاجماع حول شخصه والخبره والحنكه والحكمه والجراه في اصدار القرارات والاوامر خاصه العقوبات الماديه
ومنها عقوبات بدنيه وحسن الدعاء والتضرع لله سبحانه “المعروف”، حيث الهدف من وجود اصغار هو
التخفيف العبء الاقتصادي على اهل العريس طوال ايام الفرح من خلال جمع مبلغ محدد يسمى
“الفرض” يسدده كل واحد ابدى استعداده لملازمه الجماعة، ويتم شراء الشاي والسكر والحلويات من ثمر
وحلوه وحنه ومواد للزينة، عطور، وكذا شاه “اصغار”، وفي جو اخوي مليء بالمرح والضحك لعده
ايام متتاليه بحضور “مولاي” وهو العريس الذي يخضع كغيره لقواعد “اصغار” تتفرق الجماعه بدعاء جماعي
المعروف لمباركه الفرح وسعاده العريسين والترحم على الاموات وتاليف القلوب بين الاحياء والمزيد من الخير
على الامة، ويحدث كل هذا بعيدا عن الاختلاط في جو تميزه الحشمه والرجولة، ويندرج هذا
النوع من التقاليد ضمن قائمه من العادات العريقه تدخل البهجه على قلوب ضيوف واهالي العريس
كالرقص التلقائي فرادا، مثنى، وثلاثه وجماعات على نغمه القصبه والبندير كرقصه العلاوي الفولكلوريه المشهوره والعريقه
لدى عرش اولاد نهار التي تتشكل من نحو 26 طريقه لعب، هذا ناهيك عن اغاني
الصف المتداوله من جيل لاخر في اوساط العنصر النسوي لتمتد فيما بعد للرجال الذين تعودوا
ترديدها بالمناسبات الموسميه كاختتام مواسيم الحصاد و الدرس “شوالة” والافراح.
الاعراس المسيرديه لاتحلوا الا بفرقه العرفه ورقصات العلاوي
وعلى عكس اعراس الجهه الغربيه الجنوبيه لولايه تلمسان فبمنطقه المسيرده الواقعه اقصى الحدود الغربيه للوطن
لا تتم افراح العائلات المسيرديه بزواج ابنائها وبناتها الا بحضور فرق العرفه الذائعه الصيت بالمنطقة،
ولم تتمكن الديسكوهات واغاني الشباب من منافسه فرق العرفه ورقصات العلاوي التي تجذب الكبار والصغار
على حد سواء، ويبقى مجيء العرفه مصدر تفاخر وسط العائلات نظرا للتكاليف الباهظه لهذه الفرق
الفولكلوريه المعروفه حتما خارج الوطن، وحسب بعض العارفين بخبايا هذه الفرق فان خروجهم الى الاعراس
يكون حسب سمعه وجاه العائلة، فعند الاغنياء قد يحضر 20 الى 25 عضوا بينما يقتصر
الحضور عند العائلات المتوسطه الحال على 5 او 6 اعضاء، و يبدا النقاش من حدود
ال 6 الاف دج، ويكون الاتفاق مع صاحب الفرح على طريقه تقاسم ما يسمونه “الصينية”
وهي ما يجمع من “التبراح”، وتكون رقصات هذه الفرق بوقوف مجموعه من مجانين هذا الفلكلور
في صفين متقابلين، ثم تبدا رقصات “العلاوي” التي يزيدها احد الشيوخ اثاره بصيحاته المدويه “عرش
عرش” والتبريحات المتميزه وسط زغاريد النسوة.
اعراس مغنيه في ثوب مغربي
وتبعا للتقاليد الاسلامية، فالعائلات المغناويه اكثر انطواءا على نفسها الا ان المدينه المتسعه شيئا ما،
يعم التعاون بين اهلها مما يسهل رواج اخبار الاحداث التي تقع بها، اذ تتالف التركيبه
البشريه المغناويه من عده فرق متميزه وهي :اهالي بني واسين اهالي مسيرده اهالي المعازيز- اهالي
جباله اهالي ندرومه القبائل الامازيغ (اهالي بني بوسعيد، الكاف، بني سنوس)، وترتبط كل هذه الفرق
بعلاقه فيما بينها كما انها تالف انواعا من الطبقات الشعبيه المندمجة.
فمدينه مغنيه بحكم موقعها الجغرافي والتي تقع على الحدود الجزائريه المغربيه واقرب مدينه جزائريه الى
المغرب، فنجد انه من القديم كانت هناك هجرات متتالية، سواء على عهد المدنيين او على
عهد الاتراك او على عهد الاحتلال الفرنسي، فمدينه مغنيه اذن تاثرت بالمناخ المغربي اكثر من
المناخ الجزائري فالعادات والتقاليد الماخوذه من المغرب في الحقيقه كثيره جدا بالمقارنه مع العادات الجزائريه
الاتيه من الجزائر.
فعادات مغنيه لها طابع مغربي بارز في العديد من المجالات، سواء كان ذلك في الموسيقى
والغناء او الرقص والالعاب والافراح من اعراس اهالي المنطقة.
الزواج وكيفيه اقامه الخطوبه وكتابه العقد
يلجا الرجال الى الاستعانه بالنساء المسنات للحصول على المعلومات المتعلقه بالفتيات اللواتي يريدون الزواج منهن،
ويتدبرون احسن الفرص لرؤيه الفتاه خلسه في المنزل المجاور، ولا تملك الفتيات اي دور سلبي
اثناء التداول في موضوع الزواج، فهن يجهلن ذلك الذي سيصبح زوجا لهن، ومختلف اطوار الزواج
تدور دائما وفق ترتيب ثابت مع طالب الزواج، فيتقدم الراغب في الزواج بطلبه الى اصهار
المستقبل بواسطه وكيل، وحين يتم الاتفاق على مقدار الصداق، يحظر القاضي ليبعث بالعدول الى منزل
الفتاه المخطوبه بحضور وكيلي الطرفين، اما المراه الثيب، فلا وكيل لها بحيث تتكفل هي شخصيا
بمصلحتها ويحرم العدلان العقد، ويدفع الزوج مبلغ الصداق المتفق عليه، وبطبيعه الحال فقد كان اهل
الرجل او العريس هم الذين يعملون على خطبه اهل البنت، وبعد القبول، يقيمون حفله صغيره
تسمى (حنه الثباث) وهذا قبل كتابه العقد من طرف القاضي، وقد كان هذا العقد يتم
كتابيا بحيث كان يتم بعد اقدام العدول الى دار العروسة، فيسالون البنت حول قبولها او
عدم قبولها، وهي موجوده وراء الحجاب، ولا يسالون اهل البنت حول سنها، وعندما تقرر العروسه
بقبولها يتم كتابه العقد هذا في المدينة، اما في الباديه فالعقد يتم بالفاتحه فقط وبعد
الاتفاق حول الصداق يتم تقديم ما يسمى “بالزهاج” وهو مكون من كسوه واغطيه وافرشة، بالاضافه
الى صندوق لان العروسه عندما تاتي الى دار العريس تحمل معها الصندوق فقط بحيث لم
تكن هناك خزانه كبيرة، كما هو موجود حاليا، فالصندوق كانت العروس تضع فيه كسوتها وحليها
وغير ذلك، وحسب روايه بعض المؤرخين ان الصداق الذي كان يتم الاتفاق عليه في اواخر
القرن التاسع عشر يقدر مبلغه بين 150 و350 دج ثم انتقل بعد ذلك الى 300
دج ثم 500 دج، ثم ليصل اليوم الى ازيد من خمسه ملايين فما فوق.
طريقه احياء الاعراس والافراح
وبمجرد انتهاء هذه الاجراءات، يقام حفل بمنزل الزوجة، فتحيط بها جميع الصديقات، ولا يحضره الرجال،
ومنذ انتشار الظلام، تقوم النسوه بحمل الزوجه الى بيت الزوج، فتتوسط المكان تحت غطاء من
نسيج ثم يقمنها واقفه ويغنين، وتحملها سيده قويه على ظهرها اذا كانت صبية، وعند الوصول
تاخذ النسوه مكانهن في بيت الزوجة، وفي غضون هذا الوقت يفسح الزوج خارجا او يؤخذ
الى الحمام المغربي، واذا كان صغير السن، تفرغ عليه احسن ثيابه، ويخفض حائكه على عينيه،
ويركب على فرس يخفوه ثلاثه فرسان او اربعه ويتقدم مثلهم وعلى يمينه وشماله رجلان يروحان
عليه بمناديل من حرير، فهو سلطان اليوم وبالنوبه – تتبع الموكب، وصوت الالات الموسيقيه ممزوج
بذوي البارود، اما المسنون من الرجال فينسحبون وعند وصول الزوج امام المنزل، هناك يلجا فينضم
الى زوجته، في حين ينسحب المشيعون ليتركوه في حجره العرس، وقد جهزت الزوجه للظرف بدون
حزام، وقدماها ويداها مسبوغه بالحناء، والحاجبان مسرحان، وقد اصطبغ الاحمر الوجنتين، وبعد اتمام الزواج، يمرو
الزوج الى احد اصدقائه بياض لباس الزوجه فيسلمه هذا الى النساء اللواتي يحملنه في موكب
غنائي الى الام مزغردات في حده واصرار ويقضي الضيوف ليلتهم بالمنزل، ويرسل رب العائله الشاي
والقهوه والماذب الى النساء، فيما يجتمع الرجال في الساحه ويوكل اليهم عاده اداء ما يستهلك
من قهوه وشاي، وعند الفجر، يتوجه الاصدقاء بالسلطان الى الحدائق للهو، وتبقى الزوجه الصغيره جالسه
في حجرتها تنوب عنها في الحديث احدى صديقاتها التي تشغل منصب وزيره لها، بينما الاخريات
يمرحن، وتستمر هذه الولائم لمده ثلاثه ايام او سبعه وفي اليوم الاخير تتمنطق الزوجة، فيما
يقمن اهل العريس باستدعاء النساء، وهؤلاء النساء يكلفن بجمع الخبز من عند الاهل الاقرباء، لياتوا
به بعد ذلك الى اهل العريس، اما العروسه فتذهب الى الحمام بالحائك والبلغاء فقط وفي
ليله العرس تقام هناك روايه وهي تشبه المسرحيه او التمثيليه حاليا، وتدعى هذه الروايه والذي
يقوم بهذه الروايه شخص مشهور في مثل هذه الاعراس يسمى “بن عزي”، وكان هذا الشخص
مشهور في المدينه كلها لقيامه بهذا الدور الروائي، فيقوم هذا الشخص بحركات مثيرة، فيصعد فوق
سطوح المنازل ثم ينزل ثم يصعد، وهو يرقص ويغني مرددا كلمات تدل على فرحه وسروره،
والناس المدعوون يبدؤون بالضحك و يدوم هذا حتى الصباح، وكذلك في يوم العرس تجلس النساء،
في السرير و الرجال في الركنه وبينهم حجاب طويل، ويقوم النساء يتحريك الحلي، ويرد عليهن
وزير السلطان اي العريس فيقول : “هذا الذهب لسيدنا اي للعريس” ويتبادلون بكلمات بينهن حتى
وقت متاخر من الصباح، وفي الصباح يخرج العريس واصحابه، ويجلسون في احدى الحدائق، ويقوم احد
الاشخاص المعروفين في تلك المناسبات بسرقه الخيط او حذاء العريس “البلغة” وبعد ذلك يمض العريس
واصحابه بالجري وراء السارق فاذا قبضوه فيضربونه ويعذبونه، واذا نجى ولم يقبضوا عليه، فياتي الى
دار العريس، ويعطونه الحلويات من تمر وكاوكاو ويفرحون به وهذان الدوران كان يقومان بهما شخصان
معروفان في المدينة.
وبعد مده طويله اصبح الزواج واقامه الاعراس اكبر شانا ومقاما في مجتمعنا الحالي، حيث ارتفع
الصداق بمئات المرات وتعددت الشروط والمطالب واصبحت الاعراس نوعا من المهرجانات الكبرى، تقام فيها اشهى
واحسن الماكولات والمشروبات وتحييها افضل الفرق الموسيقيه في المدينة، فالعادات والتقاليد القديمه تغيرت تقريبا كلها،
ولم يبقى منها الا البعض التي مازالت بعض الاسر المغناويه المحافظه عليها رغم تغير الزمن.