احداث مسلسل سامحيني مكتوبة
المسلسل المدبلج «سامحيني»: دراما تركيه في عالم مشحون بالعاطفه والمفارقات الدرامية
هذه السنه الثانيه وقناه المغرب الثانيه تقوم بعرض المسلسل الدرامي العاطفي الاجتماعي التركي المدبلج «سامحيني»،
كما تعرضه قنوات لبنانية- لعل من مميزات مشاهده مسلسل على قنوات مغربيه عدم ارهاق المتفرج
بالفواصل الاعلانيه كل خمس دقائق، مثل ما يحدث في القنوات الخليجيه والمصريه واللبنانيه من هجوم
اعلاني يسبب التوتر والارتباك، لم اكن انتبه ولا اميل للمسلسلات التركيه المدبلجة، دفعتني مجامله زوجتي
للمشاهده معها لاكتشاف هذا المسلسل، حتى اصبحت المشاهده جزءا من طقوسنا العائليه المهمة، وقد يكون
الحديث ايضا عن احداث المسلسل وشخصياته ضمن الحديث اليومي، حيث اصبحت الشخصيات خصوصا (فريدة، منار،
وليد وكمال) من اصدقاء العائلة، هذا العمل اصبح يجذب الملايين حول العالم، يشعر المرء بان
الدبلجه المغربيه كانت جيده جدا ولا تقف اللهجه حجر عثره كونها مفهومه وجيدة، يمكن لعائله
غير مغربيه ان تستمع بالمسلسل من دون عوائق لغويه عكس الافلام او المسلسلات المغربيه التي
تكون صعبه عسيرة، فينصرف المشاهد غير المغربي ولا يحتمل هذه المعركه الصعبه مع اللهجه المغربية،
لعلنا نسال، لماذا الاخوه المغاربه لا يتخذون اسلوبا وسطا في الحوار لتسهيل الفهم وكسب انتشار
اكبر على المستوى العربي؟
قصه المسلسل باختصار في مدينه انقره تدور حول عائله كوزان، العائله الغنيه تتكون من عثمان
كوزان اب متسلط وميكافيلي رغم حبه لعائلته وابنائه، الا ان المال مهم جدا بالنسبه له
– قاس في تصرفاته في الكثير من الاحيان خصوصا مع زوجته زهرة. يرفض زواج ابنه
كمال من منار فتاه فقيره تسكن في حي شعبي بالضاحية، مما يجعل كمال يتخلى عن
عائلته وينتصر لعشقه، كذلك يحدث مع وليد المغرم بالفتاه الجميله فريده اليتيمه والفقيرة، رغبات هذا
الحب تصطدم بسلطه الاب الذي يوجه اولاده وفق المصلحه المادية، فيسبب الكثير من التعاسه للابناء
وتحدث صدامات عديده ثم مصالحات مع العائلة، كذلك هناك اطراف اخرى تلعب ادوارا في المسلسل،
مثل ايلول التي تاتي لبيت كوزان كي تنتقم من الاب كونها تظن انه احرق بيتها
ودمر عائلتها وفرقها عن اختها فتتقرب الى وليد بمساعده سهيل الذي يكره خاله كوزان، نكتشف
في الاخير ان سهيل ابن زهره زوجه كوزان هو الاخر يعشق فريده بجنون ويريد ان
يتزوجها ليحرق قلب وليد، كمال لديه كذلك بلال منافس له في حب منار، بلال ابن
نذيره العامله التي تعمل في بيت كوزان وهو نموذج للشر يحيك الدسائس لكمال، نعيش الكثير
من الاحداث القويه والعاصفة، مثل حادثه كمال وحادثه منار، تقريبا الجميع يتعرض لحوادث، كذلك نعيش
جوا عائليا مشحونا بالحب والسعاده واحداثا يوميه وعوده الى الطفوله والماضي وذكريات كثيرة.
لعلنا كي نقف مع هذا العمل الفني المتقن والمدهش يصعب علينا كثيرا انجازه في مقاله
واحدة، ولكن يمكننا ان نكتفي بمرور سريع لاهم عناصر الشد والاثاره وبعض الجماليات المهمه ضمن
عناصر الدهشه الدرامية:
لعل الجانب المهم هو الشخصيات، فعلى الرغم من كثرتها الا اننا نتعايش ونشعر بصداقه دافئه
مع ابطال المسلسل بسبب الاكتشافات المهمه في جانب كل شخصية، التي لا يتم تقديمها دفعه
واحدة، بل عبر جرعات فتصبح هذه الشخصيات خصوصا (كمال، وليد، فريده ، منار، ايلول، بلال،
هنادي سحر، ريتا، زهرة، نذيرة، نسرين، محمود، شاهين، وكذلك بطبيعه الحال الاب كوزان ولقمان زوج
ريتا). هذه الشخصيات تحمل العاطفه وتعاني من الوجع، الذي هو ليس وليد اللحظه اغلب هذا
الوجع ياتي من الماضي، لكل شخصيه سرها الخاص الذي لا نتمكن من اكتشافه في الحلقات
الاولى، كي تكتشف هذه العوالم انت مجبر للتعايش معها بشكل يومي، لان كل شخصيه لديها
نقطه ضعف وحلم تكافح من اجله، ولها ماض تعيس تحاول الفرار منه، لكنه يلاحقها بقوه
لتتكشف بعض الاسرار والفضائح، فيحدث تغيرات في العلاقات بين الشخصيات تقارب وتنافر وتنافر ثم تقارب،
وهكذا نبحر في دوامه من الصراعات وقد نصطدم بشخصيات ثانويه تدخل ثم تذهب بسرعة، مجموعه
من المشاكل الصغير يتم حلها بسرعه في عده حلقات لكن المشاكل والنقاط الجوهريه تظل صعبه
الحلول.
نعيش في اطار اجتماعي عائلي متنوع المناسبات ونبحر في تفاصيل من الحياه اليوميه البسيطه التي
ليست لها اهداف دراميه ضخمة، لكن لها اثر كوميدي مرح مثلا طريقه الاكل والملبس والطبخ،
ما يحبه هذا وذاك من الاكل او الملبس وغيرها من الامور البسيطه اليومية، كل هذا
يجعلنا نعيش في جو عائلي قريب منا، من خلال بعض الاحداث الصغيره قد نصطدم بالمشاكل
الجوهرية، وكثيرا ما تنير هذه الاحداث الصغيره جانبا مهما روحيا واجتماعيا، ويجعلنا نتعمق اكثر في
دواخل الشخصية، هذه الاحداث من الافعال البسيطه تمد الكثير من جسور التالف والتعايش مع المشاهد،
وقد تكون في بعض الاحيان متنفسا بعد ازمات دراميه قاسيه تحمل في طياتها الكثير من
المرح والفكاهه حتى تلك الشخصيات التي يمكن وصفها بالشريرة، حمل العنصر المرح الفكاهي، نحس ان
حضورها ليس ثقيلا حتى في لحظات الدسائس وزوع العراقيل امام الابطال، فاننا لا نكره ظهورها،
نعتاد على كل شخصيه ولا نكره التعرف عليها، بل اننا لا نحس ان هناك شخصيات
زائده غير ضروريه رغم كثره الشخصيات الثانويه والعابره الا ان جميعها يترك اثرا.
كل شخصيه وخصوصا الابطال نجحوا في لفت انتباهنا، يعود هذا الى الاداء التمثيلي الجيد جدا،
فلكل شخصيه طابع خاص مستقل غير مكرر نحس بان الممثل هنا يعمل ويؤدي دوره بكل
جزء من كيانه النفسي والروحي والجسدي، في اللحظات الرومانسيه ننعم بهذا التقارب العشق الصادق الحلم
نحسه قريبا باستطاعتنا لمسه، وفي لحظات التعاسه والمصائب نكاد ننفجر في البكاء، نشعر برعشه لهذا
الحادث او لموت شخصية، كل حدث مؤلم له وقع قوي ليس بالمؤثرات الموسيقيه مثلا يتم
انتزاع تعاطفنا، ولا بالبكائيات والصراخ والعويل، بل هذه الجوده العاليه في الاداء المدهش، (تعابير الوجه،
رعشه اليد والجسد، نظرات العيون، الحركه في الفضاء المكاني) نحن كذلك نتعايش مع هذه الامكنه
البسيطه فتصبح ودوده لم يكن الابهار في الاسراف بالديكور وتقاسيم المكان، حركه الشخوص وعلاقتها بالمكان
هو المصدر القوي الذي يمنح المكان قوه جمالية، وكذلك بعض الاشياء البسيطه قد تكون لها
دلالات روحيه وجماليه ودراميه تنقلنا من حاله الى حاله اخرى مشحونه بالدهشة، الحرفيه هنا في
تعامل الكاميرا مع المكان ومع هذه الاشياء الصغيره وكذلك مع الشخصيات لم يتم استخدام حركات
خارقه للكاميرا، تم استخدام الوضعيات والحركات المعروفة، ولكن بحرفيه ممتازة، بحيث اننا لا نشعر بالكاميرا
كاداه تسجيل، نشعر بها كشخصيه اساسيه تنظر وتراقب وتعايش وتتعايش مع هذه الشخصيات والامكنه ومعنا
ايضا هي تكتشف ما نود اكتشافه، ولكن احيانا تراوغ وتماطل في تقديم الشخصية، تركز على
جزء من الجسد دون الاخر في بعض الاحيان تكون الثقب الذي نتطلع من خلاله ونتجسس
بفضول على بعض المواقف، كثيرا ما تلفت انتباهنا الى اداه معينه او شيء، من دون
ان تسرف في توضيحها ليكن بعد ذلك سرا كبيرا او حدثا مهما يكون انطلاقه من
شيء صغير.
لا يتم تقديم الحلول بسرعه هناك مراوغه كبيره من المخرج ليس هدف المراوغه الاطاله فقط،
هذه الاطاله في حل بعض القضايا لم تكن ممله جدا ثم هذه التشابك الصعب في
الاحداث كون هناك مسارات عديده تتقاطع في بعض الاحيان وفي احيان اخرى تظل تبحر لوحدها
كما يتم التطرق لمناقشه قضايا وقيم اجتماعيه مهمه يتم تقديمها في اسلوب درامي ممتع، بعيدا
عن اسلوب الوعظ والخطابه او الطرح المباشر، كما يزخر العمل بمشاهد مطاردات ومشاحنات عديده تم
اخراجها بشكل جيد، والكثير منها مشوق ومضحك وكذلك تخللت العمل اغان من التراث التركي ومقاطع
عصريه رومانسيه ورقيقه تاتي لتغوص بنا في فضاء عاطفي ساحر.
المسلسل قدم نماذج انسانيه متعدده تعيش في بيئه ليست بعيده عن عاداتنا وتقاليدنا العربية، كانت
هناك مشاهد كثيره تعكس وتصور عادات اجتماعية، كحفلات الزواج وطقوس الدفن والختان والاحتفال بالاعياد الدينية،
كل هذا تم تصويره ببساطه من دون مبالغه بصوره تجعلنا نتعايش مع هذه العادات نضحك
لضحكهم ونلهو ونفرح لفرحهم ونبكي لحزنهم ومصائبهم، هذه المده الزمنيه الكبيره والطويله والمشاهد يتابع الاحداث
وقد تكون الحلقه كامله تحكي حدثا يوميا واحدا تتناوله من عده جهات مع ردود الفعل
المختلفه لكل شخصية، وقد تكون الحلقه تحكي مسار يوم وفي بعض الاحيان مجرد ساعه واحده
فقط، وربما اقل كوننا في بعض الحلقات نعيش تفاصيل دقيقه جدا، ويكون هناك استرجاع ورحله
الى الماضي، رغم هذا يستمر العمل في الامساك بالمشاهد وتقليص اي فجوه يتسرب منها الملل
فتظهر عناصر وشخصيات جديده تلفت انتباهنا وتظهر دسائس جديده فيزيد خوفنا على الابطال ونتشوق في
انتظار الحلقه القادمة.
هذه النجاحات الساحقه لبعض المسلسلات التركيه وما تحويه من عناصر الاثاره الدراميه والحرفيه والمهنيه والاداء
التمثيلي الرائع والاساليب الاخراجيه الجيده كل هذا ربما علينا الاقتراب منه ودراسته بشكل فني اكاديمي،
وربما على الدراما العربيه الاستفاده من هذه الدروس، منع الدراما التركيه ومحاربتها اعلاميا لن يوقف
تمددها وانتشارها، ولكن للاسف الدراما العربيه اليوم غير مؤهله تماما للدخول في منافسات كونها فقدت
الكثير من توهجها لاسباب فنيه واداء رتيب مكرر في التمثيل، وتكرار ممل لمواضيع، حتى الجديد
ياتي باهتا ومتسرعا مثلا التعري لا يمكن ان يكون اداه الجذب الوحيد، فالممثله العربيه التي
تكشف الكثير من جسدها قد لا يكون فستانها مناسبا وربما يكون مكياجها زائدا ومضحكا وتعابير
وجهها تجعلك تشعر بانك مع مهرج، تقديم جسد شهي قد يكون هذا الجسد ايضا في
مكان لا يحمل جماليات ولا تعرف الكاميرا التعامل معه، لا اقصد بالطبع ان جميع الاعمال
الدراميه العربيه سيئه ولكن المتميز منها يظل قليلا جدا.