سوره قريش مكتوبه وتفسيرها
سوره قريش مكتوبه وتفسيرها
لايلاف قريش
ايلافهم رحله الشتاء والصيف
فليعبدوا رب هذا البيت
الذي اطعمهم من جوع وامنهم من خوف
تفسير السورة
ان منه ايلافهم رحلتي الشتاء والصيف، هي المنه التي يذكرهم الله بها ومنه الرزق الذي
افاضه عليهم بهاتين الرحلتين, وبلادهم قفره جفره وهم طاعمون هانئون من فضل الله, ومنه امنهم
الخوف, سواء في عقر دارهم بجوار بيت الله الحرام، ام في اسفارهم وترحالهم في رعايه
حرمه البيت التي فرضها الله من كل اعتداء.[4]
فيذكرهم بهذه المنن ليستحوا مما هم فيه من عباده غير الله، وهو رب هذا البيت
الذي يعيشون في جواره امنين طاعمين، ويسيرون باسمه مرعيين ويعودون سالمين. وهو تذكير يستجيش الحياء
في النفوس، ويثير الخجل في القلوب. ولكن انحراف الجاهليه لا يقف عند منطق، ولا يثوب
الى حق، ولا يرجع الى معقول.
اي فلتعبد قريش ربها شكرا له على ان جعلهم قوما تجارا ذوي اسفار في بلاد
غير ذات زرع ولا ضرع، لهم رحلتان رحله الى اليمن شتاء لجلب الاعطار والافاويه التي
تاتي من بلاد الهند والخليج العربي الى تلك البلاد ورحله في الصيف الى بلاد الشام
لجلب الحاصلات الزراعيه الى بلادهم المحرومه منها. وقد كان العرب يحترمونهم في اسفارهم، لانهم جيران
بيت الله وسكان حرمه، وولاه الكعبة، فيذهبون امنين، ويعودون سالمين، لا يمسهم احد بسوء على
كثره ما كان بين العرب من السلب والنهب والغارات التي لا تنقطع. فكان احترام البيت
ضربا من القوه المعنويه التي تحتمي بها قريش في الاسفار، ولهذا الفتها نفوسهم، وتعلقت بالرحيل،
استدرارا للرزق. وهذا الاجلال الذي ملك نفوس العرب من البيت الحرام، انما هو من تسخير
رب البيت سبحانه، وقد حفظ حرمته، وزادها في نفوس العرب رد الحبشه عنه حين ارادوا
هدمه، واهلاكهم قبل ان ينقضوا منه حجرا، بل قبل ان يدنوا منه. ولو نزلت مكانه
البيت من نفوس العرب، ونقصت حرمته عندهم، واستطالت الايدي على سفارهم لنفروا من تلك الرحلات،
فقلت وسائل الكسب بينهم، لان ارضهم ليست بذات زرع ولا ضرع، وما هم باهل صناعه
مشهوره يحتاج اليها الناس فياتوهم وهم في عقر ديارهم لياخذوا منها، فكانت تضيق عليهم مسالك
الارزاق وتنقطع عنهم ينابيع الخيرات. Ra bracket.png فليعبدوا رب هذا البيت Aya-3.png La bracket.png الذي
حماه من الحبشه وغيرهم، ومكن منزلته في النفوس، وكان من الحق ان يفردوه بالتعظيم والاجلال.
ثم وصف رب هذا البيت بقوله: (الذي اطعمهم من جوع) اي انه هو الذي اوسع
لهم الرزق، ومهد لهم سبله، ولولاه لكانوا في جوع وضنك عيش. (وامنهم من خوف) اي
وامن طريقهم، واورثهم القبول عند الناس، ومنع عنهم التعدي والتطاول الى اموالهم وانفسهم، ولولاه لاخذهم
الخوف من كل مكان فعاشوا في ضنك وجهد شديد.
واذا كانوا يعرفون ان هذا كله بفضل رب هذا البيت، فلم يتوسلون اليه بتعظيم غيره،
وتوسيط سواه عنده؟ مع انه لا فضل لاحد ممن يوسطونه في شيء من النعمه التي
هم فيها، نعمه الامن ونعمه الرزق: وكفايه الحاجة. اللهم الهم قلوبنا الشكر على نعمك التي
تترى علينا، وزدنا بسطه في العلم والرزق.