ان تاتي متاخرا خير
اليوم.. كنت مع موعد شيق.. لرحله ايمانيه رائعه في كتاب على خطى الحبيب صلى الله
عليه وسلم للاستاذ عمرو خالد جزاه الله خير الجزاء، والذي يعجبني في اسلوبه استنباطه للفوائد
والعبر خصوصا ما يتعلق بالنهضه الحضاريه للامة..
و لقد استوقفتني قصه اسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وانه لما اسلم، جمع
اهله واولاده واخبرهم بانه قد اسلم، وقال لهم: كلامكم علي حرام حتى تشهدوا ان لا
اله الا الله، فقال له عبد الله بن عمر: اني مسلم منذ عام، فضربه وقال
له: كنت ستضيع اباك..
عندما وصلت لهذه القصة، اغلقت الكتاب واخذت اتامل، كيف ان عمر اسلم في نهايه السنه
الخامسه للبعثة، ورغم انه اسلم متاخرا مقارنه بالسابقين من الصحابة، الا انه كان ثاني الخلفاء
الراشدين، ومن العشره المبشرين بالجنة، وان ايات من القران نزلت موافقه لارائه رضوان الله عليه،
تاملت.. فاذا هو من اقوى الناس في كلمه الحق، من اخشع الناس قلوبا، ومن اشد
الناس ايمانا..
وبينما انا كذلك.. اذ بي اتذكر جلستنا الايمانيه الرائعه مع استاذتنا في حلقه حفظ القران،
وهي تحكي لنا قصه هدايتها، فقالت: بدات رحلتي مع دراسه القران والتجويد في وقت متاخر،
فقد بدات بعد خمس سنوات من تخرجي من المرحله الثانوية، ومع القران بدات قصه هدايتي،
ثم ذكرت لنا موقفا اثر بها كثيرا، حيث قالت: كنت ادرس في فصل النون الساكنه
والتنوين -وهو المستوى الاول من ثلاث مستويات في دراسه التجويد- واثناء فتره الراحه قابلت احدى
الدارسات، فسالتني عن عمري والمستوى الذي ادرسه، فما ان اخبرتها، حتى علت وجهها علامات الدهشه
والاستنكار، وقالت: انا مضى علي ست سنوات وانا ادرس التجويد، والان فقط وصلت للمستوى الثالث!
فمتى عساك تصلين!!!. تقول استاذتي: قلت بحزن: ان تاتي متاخرا خير من الا تاتي مطلقا!!
ثم انصرفت.
وبعد سنتان ونصف، انهيت خلالها مستويات التجويد بتفوق ولله الحمد، قامت الاداره بتكليفي بتدريس احد
الفصول، تقول: دخلت الفصل، ابتسمت.. وسلمت على الدارسات في حلقتي، لافاجا ان تلك الفتاه التي
عيرتني بتاخري كانت من بينهم!!!
تنهدت معلمتي ثم نبهتنا الى خطوره الكلمه التي نتفوه فيها، وانها ربما تؤثر في مستقبل
احد ما، فبكلمه يمكنك ان تبني، وبكلمه يمكنك ان تهدم!
وبعد قصه معلمتي العزيزة، مر بي طيف قصه شهدت احداثها يوما ما.. فقد كنت في
فتره مضت استاذه متعاونه في احدى الجامعات، وفي احد الايام، وبعد ان انهيت محاضرتي، اقبلت
الي احدى الطالبات واسمها نوره واخبرتني انها حصلت على علامه سيئه في الاختبار، فهل بقي
لها امل في النجاح؟. قلت لها: هلا ذكرتني بدرجتك؟، فحنت راسها حتى كاد ان يلامس
صدرها من شده الحياء وقالت: 5 من 25.
قلت لها: ارفعي راسك يا نورة، فانت طالبه مجتهده لدي، حتى لو لم تحصلي على
درجه مرتفعة! وانا واثقه انه بامكانك تعويض هذه الدرجه في الاختبار القادم، لعله ظرف مر
بك وانجلى!. من الان فصاعدا اهتمي اكثر بمذاكرتك، ومتى استصعبت شيئا فانا موجوده فاسالي ما
بدا لك انا شئت، ولن يخيب الله املك، ثم اردفت قائلة: ولا تنسي الدعاء والاستغفار،
ولا يزال هناك امل كبير بان تعوضي ما فاتك….
ومع الايام لاحظت تطورا هائلا في مستواها اثناء المحاضرات، وعند الرصد النهائي للدرجات، فوجئت بتدني
المستوى العام لدرجات الطالبات نظرا لصعوبه الاختبار -فالاختبارات في جامعتنا المصون يضعها قسم الرجال هداهم
الله- فكان متوسط الدرجات في الاختبار النهائي 20 من 40 درجة!
ومن بين هذه الاوراق اجد ورقه حصلت صاحبتها على 30 من 40 ، ولكم ان
تخمنوا من هي صاحبه هذه الورقة!
نعم.. لقد كانت نورة.. نوره التي كانت تخشى الرسوب.. حصلت على درجه مرتفعه مقارنه ببقيه
زميلاتها!
ان تاتي متاخرا خير من الا تاتي مطلقا..
تاخر اسلام عمر رضي الله عنه الى نهايه السنه الخامسة.. لكنه صار ثاني الخلفاء الراشدين!
تاخرت معلمتي في دراستها.. لكنها صارت استاذه لمن عيرتها بتاخرها!
حصلت نوره على 5 من 25 في الاختبار الاول، لكنها تالقت وابدعت في اختبار نهايه
العام! انها حكمه صالحه في كل العصور، وفي كل مواقف الحياة..
ان تاتي متاخرا خير من الا تاتي مطلقا..
قال الله تعالى: {قل يا عبادي الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمه الله
ان الله يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم } [الزمر:53].
فمهما بلغت ذنوبك.. فالله يتقبل توبتك..
ومهما كثرت عيوبك.. فبامكانك ان تعالجها..
مهما تاخرت.. فتذكر.. ان تاتي متاخرا خير من الا تاتي مطلقا..
